لماذا طلبت واشنطن تولي ملف المساعدات في غزة بدلًا من "إسرائيل"؟

لماذا طلبت واشنطن تولي ملف المساعدات في غزة بدلًا من
تقارير وحوارات

غزة / معتز شاهين:
تتصاعد التساؤلات في الأوساط الفلسطينية والدولية حول الدور الأمريكي الجديد في قطاع غزة، بعد أن باتت واشنطن تتولى بشكل مباشر إدارة إدخال المساعدات الإنسانية إلى القطاع، في خطوة يصفها مراقبون بأنها تتجاوز الطابع الإغاثي لتلامس أبعادًا سياسية وأمنية أعمق.
بينما تُقدَّم العملية تحت غطاء "العمل الإنساني"، يرى محللون، خلال أحاديث منفصلة مع صحيفة "الاستقلال"، أنها تعكس إدارة مزدوجة بين الولايات المتحدة و"إسرائيل" تهدف إلى إعادة تشكيل المشهد الميداني في غزة وتهيئة الأرضية لمرحلة ما بعد الحرب، وسط تغييب واضح للدور الفلسطيني الرسمي.
وكشفت صحيفة واشنطن بوست بأن الولايات المتحدة أصبحت تشرف بالكامل على إدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، بدلاً من جيش الاحتلال ووحدة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق الفلسطينية.
ووفقا لتقرير نشرته صحيفة "يديعوت أحرنوت" العبرية، نقلا عن مصادر أمريكية، فإن المقرّ الأمريكي في منطقة "كريات غات" (جنوب فلسطين)، تولّى رسميا مهمة الإشراف على تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار في القطاع وإدارة دخول المساعدات.
ازدواجية المعايير
وأعتبر الكاتب والمحلل السياسي د. سعيد أبو رحمة أن تولّي الولايات المتحدة الإشراف المباشر على إدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة يمثل تحوّلًا جوهريًا في طريقة إدارة الملف الإنساني بعد الحرب الاسرائيلية، ويحمل أبعادًا سياسية وأمنية تتجاوز الطابع الإغاثي المعلن.
وأوضح د. أبو رحمة خلال حديثه مع "الاستقلال"، أمس الأحد، أن تقليص الدور الإسرائيلي الظاهري في إدارة المساعدات لا يعني خروج (تل أبيب) من المشهد، بل يأتي في إطار تنسيق كامل بينها وبين واشنطن التي تسعى، إلى تجميل صورتها أمام المجتمع الدولي بعد الانتقادات الحادة الموجهة لإسرائيل بسبب عرقلة إدخال المساعدات.
وأضاف أن الإدارة الأمريكية بدأت فعليًا بفرض صيغة جديدة لإدارة غزة تحت غطاء إنساني، تمهيدًا لمرحلة ما بعد الحرب دون انتظار أي اتفاق سياسي شامل، مبيناً أن واشنطن باتت تمتلك اليوم أحد أهم المفاتيح في قطاع غزة — من يحق له الحصول على المساعدات، ومتى، وكيف — ما يمنحها نفوذًا ميدانيًا يشبه "الإدارة الناعمة" للقطاع.
وأكد د. أبو رحمة أن المشروع الأمريكي يبدو إنسانيًا في الشكل لكنه سياسي في الجوهر، إذ يسعى إلى نزع السيطرة من الفلسطينيين وتأهيل جهات مدنية بديلة تمهيدًا لإدارة ما بعد الحرب، إضافة إلى ربط الإعمار بالأجندة السياسية والأمنية الأمريكية بدلاً من الاحتياجات الفلسطينية الفعلية.
وحول رفض عدد من المنظمات الإنسانية للخطة الأمريكية، أوضح أبو رحمة أن هذه المنظمات ترى فيها تكرارًا لتجربة “مؤسسة غزة الإنسانية” التي فشلت سابقًا وأدت إلى سقوط ضحايا مدنيين نتيجة لتسييس المساعدات وتأخير وصولها، وهو ما يثير مخاوف من فقدان المساعدات لطابعها الإنساني.
وأشار إلى أن أزمة الثقة مع الدور الأمريكي تتعمّق بسبب ازدواجية المعايير، حيث تواصل واشنطن دعم "إسرائيل" بالسلاح والغطاء السياسي في الوقت الذي تتولّى فيه إدارة المساعدات للضحايا الفلسطينيين. وقال: "يصعب على الفلسطيني أن يثق بجهة تشارك في القصف ثم تُشرف على الغذاء."
هيمنة أمريكية
من جهتها انتقدت الكاتبة والمحللة السياسية د. رهام عودة الدور الأمريكي الجديد في إدارة إدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، معتبرة أنه ليس مشروعًا إنسانيًا بحتًا كما تروّج له واشنطن، بل محاولة لإعادة تشكيل الواقع السياسي في غزة وفرض وصاية أمريكية–إسرائيلية مشتركة على القطاع، في ظل غياب أي دور رسمي فلسطيني.
وقالت د. عودة لـ "الاستقلال"، إن إشراف الولايات المتحدة بشكل مباشر على المساعدات بدلًا من جيش الاحتلال، يعكس انعدام ثقة واشنطن بـ(تل أبيب) نتيجة شكاوى متكررة من منظمات حقوقية ودولية حول عرقلة "إسرائيل" المتعمدة لدخول الإغاثة إلى غزة، موضحة أن الإدارة الأمريكية "فضّلت إدارة الملف بنفسها استجابةً لهذه الضغوط، ولضمان تثبيت اتفاق وقف إطلاق النار".
وأضافت أن هذا الدور الأمريكي "منحاز تمامًا للرؤية الإسرائيلية التي ترفض عودة السلطة الفلسطينية إلى غزة"، مشيرة إلى أنه يعزل القطاع عن مشروع الدولة الفلسطينية المستقلة، ويربط مستقبله بالمصالح الأمنية والعسكرية الإسرائيلية، بينما يمنح الفلسطينيين صلاحيات إدارية محدودة لا ترقى إلى حق تقرير المصير.
وبينت د. عودة أن عدداً من المنظمات الإنسانية رفضت الخطة الأمريكية المقترحة لتنسيق المساعدات إلى غزة، موضحةً أنَّ التخوّفات تتركّز حول إشراف عسكريين أمريكيين وغربيين على عملية توزيع المساعدات ضمن ما يُعرف بـ"مكتب التنسيق المدني العسكري".
وحذرت من أنَّ هذا الترتيب يثير مخاوف من عسكرة العمل الإنساني وتحويل المساعدات إلى أداة ضغط سياسي على المقاومة الفلسطينية، مشيرةً إلى أنَّ تجربة "مؤسسة غزة الإنسانية" السابقة تُعدّ مثالاً على فشل هذا النهج، إذ أدّت آنذاك إلى سقوط ضحايا مدنيين.
وأكدت أن عسكرة العمل الإنساني تتعارض مع مبادئ القانون الدولي ومواثيق حقوق الإنسان، وقد تضع المنظمات المشاركة تحت مساءلة قانونية مستقبلية، مشددة على أن أي إدارة للمساعدات يجب أن تتم عبر جهات أممية مستقلة ومحايدة.
وأشارت الكاتبة إلى أن الشعب الفلسطيني لا يمكنه الوثوق بجهة تشارك في العدوان على غزة، لكنه مضطر مؤقتًا لقبول المساعدات الأمريكية في ظل استمرار الحرب والاحتلال، معتبرة أن هذا الدور الأمريكي مرحلة انتقالية مؤقتة إلى حين استعادة إدارة المساعدات عبر المؤسسات الدولية المعتمدة.

التعليقات : 0

إضافة تعليق